--------------------------------------------------------------------------------
الأنصار اسم أُطلق على الأوس والخزرج، ومن والاهم من سكان المدينة الذين آمنوا بالله تعالى ونصروا رسوله ³على أعدائه من أهل الكفر بالله ورسوله، قال تعالى: ﴿والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار﴾ التوبة: 100. فالأنصار مصطلح إسلامي خالص اقترن بجماعة من الصحابة، عن غيلان قال: "قلت لأنس: أرأيت اسم الأنصار كنتم تسمَّون به، أم سمّاكم الله؟ قال: بل سمانا الله إذ يقول في محكم تنزيله: ﴿ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار﴾ التوبة: 100. فالأنصار من السابقين الأولين في الهجرة والنصرة الذين سبقوا إلى الإيمان من الصحابة. والسابقون الأولون من الأنصار هم أهل بيعة العقبة الأولى، وكانوا سبعة نفر، وأهل العقبة الثانية وكانوا سبعين، والذين آمنوا حين قدم عليهم مصعب بن عمير فعلمهم القرآن.
اشتد الأمر على رسول الله ³في مكة من مؤامرات المشركين، ومحاولتهم اعتراض دعوته، والعمل على النَيّل من الرسول ³، ومَنْ آمن به من أهل مكة، والحيلولة دون وصول الدعوة إلى خارج حدود مكة، وأقاموا مَنْ يراقب زوار مكة لئلا يلتقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الجو المشحون بالتوتر قرر رسول الله ³إنفاذ الدعوة إلى خارج مكة.
خرج رسول الله ³إلى الطائف، ولكنه لم يجد من أهلها تجاوبًا مع دعوته، بل آذوه وأطلقوا عليه سفهاءهم، فعاد إلى مكة ليستأنف عرض الإسلام على القبائل والأفراد الذين يزورون مكة، فانتهز رسول الله ³هذه الفرصة فأتاهم قبيلة قبيلة يعرض عليهم الإسلام ويدعوهم إليه، كما كان يدعوهم منذ السنة الرابعة من النبوة، آمن من غير أهل مكة سويد بن الصَّامت، وكان شاعرًا لبيبًا من سكان يثرب، وآمن إياس بن معاذ وكان غلامًا حدثًا من سكان يثرب، وآمن أبو ذر الغفاري وكان من سكان نواحي يثرب. ولما بلغ إلى يثرب خبر مبعث النبي ³بسويد بن الصَّامت، وإياس ابن معاذ، وقع في أذن أبي ذر أيضًا وصار سببًا لإسلامه.
وكان من حكمته صلى الله عليه وسلم ـ إزاء ما كان يلقى من أهل مكة من التكذيب والصد عن سبيل الله ـ أنه كان يخرج إلى القبائل في ظلام الليل، حتى لا يحول بينه وبينهم أحد من أهل مكة من المشركين.
العقبة الأولى. مرّ رسول الله ³ليلة بعقبة منى فسمع أصوات جماعة فتتبعهم حتى لحق بهم فقال لهم: "مَنْ أنتم؟ قالوا: نفر من الخزرج، قال: من موالي يهود؟ أي حلفائهم، قالوا: نعم. قال: أفلا تجلسون أكلمكم؟ قالوا: بلى. فجلسوا معه فشرح لهم حقيقة الإسلام ودعوته، ودعاهم إلى الله عز وجل، وتلا عليهم القرآن. فقال بعضهم لبعض "تعلمون والله يا قوم، أنه للنبي الذي توعدكم به يهود، فلا تسبقنكم إليه، فأسرعوا إلى إجابة دعوته وأسلموا. وكانوا ستة وهم:
أسعد بن زرارة من بني النجار
عوف بن الحارث بن رفاعة بن عفراء من بني النجار
رافع بن مالك بن العجلان من بني زريق
قطبة بن عامر بن حديدة من بني سلمة
عقبة بن عامر بن ثابي من بني حرام بن كعب
جابر بن عبدالله بن رئاب من بني عبيد بن غنم
وكانوا من عقلاء يثرب، أنهكتهم الحرب التي دارت بين جناحي أهل يثرب، فقالوا للرسول ³ ـ بعد إسلامهم ـ تركنا قومنا بينهم من العداوة والشر ما بينهم فعسى أن يجمعهم الله بك، فسنقدم عليهم، فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك. ولما رجع هؤلاء إلى المدينة حملوا إليها رسالة الإسلام، حتى لم تبق دار من دور أهلها إلا وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان نتيجة ذلك أن جاء في الموسم التالي اثنا عشر رجلاً فيهم خمسة من هؤلاء، والسادس الذي لم يحضر هو جابر بن عبدالله بن رئاب، وسبعة سواهم وهم:
معاذ بن الحارث بن عفراء من بني النجار من الخزرج
ذكوان بن عبد القيس من بني زريق من الخزرج
عبادة بن الصامت من بني غنم من الخزرج
يزيد بن ثعلبة من حلفاء بني غنم من الخزرج
العباس بن عبادة بن نضلة من بني سالم من الخزرج
أبوالهيثم بن التيهان من بني عبد الأشهل من الأوس
عويم بن سعادة من بني عمرو بن عوف من الأوس
اتصل هؤلاء برسول الله ³عند العقبة بمنى، فبايعوه وعُرفت هذه البيعة ببيعة العقبة الأولى. وبعد أن تمت وانتهى الموسم، بعث النبي ³مع هؤلاء المبايعين أول سفير في يثرب ليعلِّم المسلمين فيها شرائع الإسلام ويفقههم في الدين، وليقوم بنشر الإسلام بين الذين لم يزالوا على الشرك، واختار لهذه السفارة شابًا من شباب الإسلام السابقين الأولين، وهو مصعب بن عمير العبدري رضي الله عنه. نزل مصعب بن عمير على أسعد بن زرارة، وأقام في بيته يدعو الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون. وقبل حلول موسم الحج التالي، عاد مصعب بن عمير إلى مكة يحمل إلى رسول الله ³بشائر الفوز، ويقص عليه خبر قبائل يثرب، وما فيها من مواهب الخير، ومالها من قوة ومنعة.
العقبة الثانية. في السنة الثالثة عشرة من النبوة في موسم الحج، حضر لأداء مناسك الحج بضع وسبعون نفسًا من المسلمين من أهل يثرب جاءوا ضمن حجاج قومهم من المشركين. وقد تساءل هؤلاء المسلمون فيما بينهم: حتى متى نترك رسول الله ³يطوف ويطرد في جبال مكة، ويخاف؟ ولما قدموا مكة جرت بينهم وبين النبي ³اتصالات سرية أدت إلى اتفاق الفريقين على أن يجتمعوا في أوسط أيام التشريق في الشِّعْب الذي عند العقبة حيث الجمرة الأولى من منى، وأن يتم هذا الاجتماع في سرية تامة في ظلام الليل. فاجتمع هؤلاء في الشِّعْب منتظرين رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى جاءهم ومعه عمه العباس بن عبدالمطلب، وهو يومئذ على دين قومه، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه. وبعد أن تكامل المجلس بدأت المحادثات التي تمخضت عن إبرام التحالف الديني والعسكري. بعد أن ألقى رسول الله ³بيانه فيهم، وقرأ عليهم القرآن وذكّرهم، قال جابر: قلنا يارسول الله علام نبايعك؟ قال: 1- على السمع والطاعة والنشاط والكسل. 2- وعلى النفقة في العسر واليسر. 3- وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 4- وعلى أن تقوموا في الله، لا تأخذكم في الله لومة لائم. 5-وعلى أن تنصروني إذا قدمت إليكم، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة.
فكانت هذه البنود هي بنود بيعة العقبة الثانية. وبعد أن تمت البيعة طلب رسول الله ³انتخاب اثني عشر زعيمًا يكونون نقباء على قومهم، يكفلون المسؤولية عنهم في تنفيذ بنود هذه البيعة. فقال للقوم أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبًا؛ ليكونوا على قومكم بما فيهم. فتم انتخابهم في الحال، وكانوا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس.
نقباء الخزرج. أسعد بن زرارة بن عدس، سعد بن الربيع بن عمر، عبدالله بن رواحة بن ثعلبة، رافع بن مالك ابن العجلان، البراء بن معرور بن صخر، عبدالله بن عمرو ابن حرام، عبادة بن الصامت بن قيس، سعد بن عبادة بن دليم، المنذر بن عمر بن خنيس.
نقباء الأوس. أسيد بن حضير بن سماك، سعد بن خيثمة بن الحارث، رفاعة بن عبدالمنذر بن زيد.
ولما تم انتخابهم، أخذ عليهم النبيّ ³ميثاقًا آخر بصفتهم رؤساء مسؤولين. قال لهم: (أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم، وأنا كفيل على قومي)، قالوا: نعم.
هذه هي بيعة العقبة الثانية التي عرفت ببيعة العقبة الكبرى، وقد تمت في جو تعلوه عواطف الحب والولاء والتناصر بين أشتات المؤمنين، والثقة والشجاعة والاستبسال في هذا السبيل، فمؤمن من أهل يثرب يحنو على أخيه المستضعف في مكة، وينتصر له. فتهيأ مجتمع المدينة لمناصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمهاجرين معه فاستقبل الأنصار النبي ³والمهاجرين معه ورحبوا بهم. كان من الرشد والكمال النبوي والنضج السياسي والحكمة المحمدية خطوة النبي ³في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في ظرف كان المهاجرون فيه أحوج ما يكونون إلى ما يخفف عنهم آلام الغربة، والفاقة والفرقة إذ تركوا ديارهم وأموالهم وأهلهم وحلوا ببلد لم يكن ليتسع حتى لأهله، فضلاً عن النازحين إليه.
وبهذه المؤاخاة التي آخى فيها الرسول الحكيم بين المهاجرين والأنصار أضحى الأنصار إخوة للمهاجرين الذين هاجروا في سبيل الله، وتركوا مكة وما يملكون فيها من أهل ومال ومتاع، ووفدوا إلى المدينة، والعديد منهم لا يكادون يجدون قوت يومهم، فشاركوا الأنصار في أموالهم وتحققت الأُخُوَّة بين المهاجرين والأنصار، وكوّنوا مجتمعًا واحدًا ذابت فيه الفوارق العصبية وكانوا عباد الله إخوانًا.
الأنصار اسم أُطلق على الأوس والخزرج، ومن والاهم من سكان المدينة الذين آمنوا بالله تعالى ونصروا رسوله ³على أعدائه من أهل الكفر بالله ورسوله، قال تعالى: ﴿والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار﴾ التوبة: 100. فالأنصار مصطلح إسلامي خالص اقترن بجماعة من الصحابة، عن غيلان قال: "قلت لأنس: أرأيت اسم الأنصار كنتم تسمَّون به، أم سمّاكم الله؟ قال: بل سمانا الله إذ يقول في محكم تنزيله: ﴿ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار﴾ التوبة: 100. فالأنصار من السابقين الأولين في الهجرة والنصرة الذين سبقوا إلى الإيمان من الصحابة. والسابقون الأولون من الأنصار هم أهل بيعة العقبة الأولى، وكانوا سبعة نفر، وأهل العقبة الثانية وكانوا سبعين، والذين آمنوا حين قدم عليهم مصعب بن عمير فعلمهم القرآن.
اشتد الأمر على رسول الله ³في مكة من مؤامرات المشركين، ومحاولتهم اعتراض دعوته، والعمل على النَيّل من الرسول ³، ومَنْ آمن به من أهل مكة، والحيلولة دون وصول الدعوة إلى خارج حدود مكة، وأقاموا مَنْ يراقب زوار مكة لئلا يلتقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الجو المشحون بالتوتر قرر رسول الله ³إنفاذ الدعوة إلى خارج مكة.
خرج رسول الله ³إلى الطائف، ولكنه لم يجد من أهلها تجاوبًا مع دعوته، بل آذوه وأطلقوا عليه سفهاءهم، فعاد إلى مكة ليستأنف عرض الإسلام على القبائل والأفراد الذين يزورون مكة، فانتهز رسول الله ³هذه الفرصة فأتاهم قبيلة قبيلة يعرض عليهم الإسلام ويدعوهم إليه، كما كان يدعوهم منذ السنة الرابعة من النبوة، آمن من غير أهل مكة سويد بن الصَّامت، وكان شاعرًا لبيبًا من سكان يثرب، وآمن إياس بن معاذ وكان غلامًا حدثًا من سكان يثرب، وآمن أبو ذر الغفاري وكان من سكان نواحي يثرب. ولما بلغ إلى يثرب خبر مبعث النبي ³بسويد بن الصَّامت، وإياس ابن معاذ، وقع في أذن أبي ذر أيضًا وصار سببًا لإسلامه.
وكان من حكمته صلى الله عليه وسلم ـ إزاء ما كان يلقى من أهل مكة من التكذيب والصد عن سبيل الله ـ أنه كان يخرج إلى القبائل في ظلام الليل، حتى لا يحول بينه وبينهم أحد من أهل مكة من المشركين.
العقبة الأولى. مرّ رسول الله ³ليلة بعقبة منى فسمع أصوات جماعة فتتبعهم حتى لحق بهم فقال لهم: "مَنْ أنتم؟ قالوا: نفر من الخزرج، قال: من موالي يهود؟ أي حلفائهم، قالوا: نعم. قال: أفلا تجلسون أكلمكم؟ قالوا: بلى. فجلسوا معه فشرح لهم حقيقة الإسلام ودعوته، ودعاهم إلى الله عز وجل، وتلا عليهم القرآن. فقال بعضهم لبعض "تعلمون والله يا قوم، أنه للنبي الذي توعدكم به يهود، فلا تسبقنكم إليه، فأسرعوا إلى إجابة دعوته وأسلموا. وكانوا ستة وهم:
أسعد بن زرارة من بني النجار
عوف بن الحارث بن رفاعة بن عفراء من بني النجار
رافع بن مالك بن العجلان من بني زريق
قطبة بن عامر بن حديدة من بني سلمة
عقبة بن عامر بن ثابي من بني حرام بن كعب
جابر بن عبدالله بن رئاب من بني عبيد بن غنم
وكانوا من عقلاء يثرب، أنهكتهم الحرب التي دارت بين جناحي أهل يثرب، فقالوا للرسول ³ ـ بعد إسلامهم ـ تركنا قومنا بينهم من العداوة والشر ما بينهم فعسى أن يجمعهم الله بك، فسنقدم عليهم، فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك. ولما رجع هؤلاء إلى المدينة حملوا إليها رسالة الإسلام، حتى لم تبق دار من دور أهلها إلا وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان نتيجة ذلك أن جاء في الموسم التالي اثنا عشر رجلاً فيهم خمسة من هؤلاء، والسادس الذي لم يحضر هو جابر بن عبدالله بن رئاب، وسبعة سواهم وهم:
معاذ بن الحارث بن عفراء من بني النجار من الخزرج
ذكوان بن عبد القيس من بني زريق من الخزرج
عبادة بن الصامت من بني غنم من الخزرج
يزيد بن ثعلبة من حلفاء بني غنم من الخزرج
العباس بن عبادة بن نضلة من بني سالم من الخزرج
أبوالهيثم بن التيهان من بني عبد الأشهل من الأوس
عويم بن سعادة من بني عمرو بن عوف من الأوس
اتصل هؤلاء برسول الله ³عند العقبة بمنى، فبايعوه وعُرفت هذه البيعة ببيعة العقبة الأولى. وبعد أن تمت وانتهى الموسم، بعث النبي ³مع هؤلاء المبايعين أول سفير في يثرب ليعلِّم المسلمين فيها شرائع الإسلام ويفقههم في الدين، وليقوم بنشر الإسلام بين الذين لم يزالوا على الشرك، واختار لهذه السفارة شابًا من شباب الإسلام السابقين الأولين، وهو مصعب بن عمير العبدري رضي الله عنه. نزل مصعب بن عمير على أسعد بن زرارة، وأقام في بيته يدعو الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون. وقبل حلول موسم الحج التالي، عاد مصعب بن عمير إلى مكة يحمل إلى رسول الله ³بشائر الفوز، ويقص عليه خبر قبائل يثرب، وما فيها من مواهب الخير، ومالها من قوة ومنعة.
العقبة الثانية. في السنة الثالثة عشرة من النبوة في موسم الحج، حضر لأداء مناسك الحج بضع وسبعون نفسًا من المسلمين من أهل يثرب جاءوا ضمن حجاج قومهم من المشركين. وقد تساءل هؤلاء المسلمون فيما بينهم: حتى متى نترك رسول الله ³يطوف ويطرد في جبال مكة، ويخاف؟ ولما قدموا مكة جرت بينهم وبين النبي ³اتصالات سرية أدت إلى اتفاق الفريقين على أن يجتمعوا في أوسط أيام التشريق في الشِّعْب الذي عند العقبة حيث الجمرة الأولى من منى، وأن يتم هذا الاجتماع في سرية تامة في ظلام الليل. فاجتمع هؤلاء في الشِّعْب منتظرين رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى جاءهم ومعه عمه العباس بن عبدالمطلب، وهو يومئذ على دين قومه، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه. وبعد أن تكامل المجلس بدأت المحادثات التي تمخضت عن إبرام التحالف الديني والعسكري. بعد أن ألقى رسول الله ³بيانه فيهم، وقرأ عليهم القرآن وذكّرهم، قال جابر: قلنا يارسول الله علام نبايعك؟ قال: 1- على السمع والطاعة والنشاط والكسل. 2- وعلى النفقة في العسر واليسر. 3- وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 4- وعلى أن تقوموا في الله، لا تأخذكم في الله لومة لائم. 5-وعلى أن تنصروني إذا قدمت إليكم، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة.
فكانت هذه البنود هي بنود بيعة العقبة الثانية. وبعد أن تمت البيعة طلب رسول الله ³انتخاب اثني عشر زعيمًا يكونون نقباء على قومهم، يكفلون المسؤولية عنهم في تنفيذ بنود هذه البيعة. فقال للقوم أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبًا؛ ليكونوا على قومكم بما فيهم. فتم انتخابهم في الحال، وكانوا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس.
نقباء الخزرج. أسعد بن زرارة بن عدس، سعد بن الربيع بن عمر، عبدالله بن رواحة بن ثعلبة، رافع بن مالك ابن العجلان، البراء بن معرور بن صخر، عبدالله بن عمرو ابن حرام، عبادة بن الصامت بن قيس، سعد بن عبادة بن دليم، المنذر بن عمر بن خنيس.
نقباء الأوس. أسيد بن حضير بن سماك، سعد بن خيثمة بن الحارث، رفاعة بن عبدالمنذر بن زيد.
ولما تم انتخابهم، أخذ عليهم النبيّ ³ميثاقًا آخر بصفتهم رؤساء مسؤولين. قال لهم: (أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم، وأنا كفيل على قومي)، قالوا: نعم.
هذه هي بيعة العقبة الثانية التي عرفت ببيعة العقبة الكبرى، وقد تمت في جو تعلوه عواطف الحب والولاء والتناصر بين أشتات المؤمنين، والثقة والشجاعة والاستبسال في هذا السبيل، فمؤمن من أهل يثرب يحنو على أخيه المستضعف في مكة، وينتصر له. فتهيأ مجتمع المدينة لمناصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمهاجرين معه فاستقبل الأنصار النبي ³والمهاجرين معه ورحبوا بهم. كان من الرشد والكمال النبوي والنضج السياسي والحكمة المحمدية خطوة النبي ³في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في ظرف كان المهاجرون فيه أحوج ما يكونون إلى ما يخفف عنهم آلام الغربة، والفاقة والفرقة إذ تركوا ديارهم وأموالهم وأهلهم وحلوا ببلد لم يكن ليتسع حتى لأهله، فضلاً عن النازحين إليه.
وبهذه المؤاخاة التي آخى فيها الرسول الحكيم بين المهاجرين والأنصار أضحى الأنصار إخوة للمهاجرين الذين هاجروا في سبيل الله، وتركوا مكة وما يملكون فيها من أهل ومال ومتاع، ووفدوا إلى المدينة، والعديد منهم لا يكادون يجدون قوت يومهم، فشاركوا الأنصار في أموالهم وتحققت الأُخُوَّة بين المهاجرين والأنصار، وكوّنوا مجتمعًا واحدًا ذابت فيه الفوارق العصبية وكانوا عباد الله إخوانًا.