الحلقة 5
أ. د. عبد العزيز القناوي صافي الجيل، الأستاذ بشبكة جامعة عجمان
سؤال: هل دراسة النحو أمر صعب؟
د. القناوي: كل علم يحتاج إلى سهر وإلى تعب
ومن لم يذل النفس في طلب العلا قليلاً يعش دهراً طويلاً أخا ذُلِّ
كما قال ابن هشام الأنصاري، إذلال النفس وقهرها بأن يكلفها ما لا تريد فطبيعة النفس البشرية تريد أن تتفلت أمارة بالسوء تريد اللهو واللعب فأن يتعلم النحو أو غيره إنما العلم بالتعلم والنحو كغيره من العلوم له قوانينه، حتى اللعب له قوانينه، كل علم له قواعد. والهالة السوداء حول العربية هذه مفتلعة أريد بها إقصاء هذه الأمة عن لغتها لأن إقصاءها عن اللغة العربية يعني إقصاءها عن القرآن وعن أحكام الشريعة وهناك مخطط رهيب من أجل إبعاد هذه الأمة عن دينها والخطوة الأولى إبعادها عن اللغة العربية واللغة العربية من الدين تعلم العربية فرض وعبادة وهكذا نظر سلفنا إلى اللغة. اليوم أولادنا يتهربون ويتفلتون من اللغة لأعذار شتى، هذا يستصعبها وهذا يراها أنها غير صالحة للحياة وآخر لا يحتاجهل للوظيفة ومهما كان العذر النتيجة واحدة وهي أن نُقصي هذه اللغة عن واقع الحياة وبالتالي تغيّب ويغيّب القرآن والعقيدة والشريعة وكلام النبي صلى الله عليه وسلم. لو أردنا لأعددنا العدة لو أردنا وكنا حريصين على هذه اللغة التي هي لغة الدين ولغة القوم وهي جزء من هويتنا هوية هذه الأمة لو أردنا ذلك جادين ومخلصين لرأيت علماء ونوابغ لهذه اللغة، أما أن نعطي لأستاذ اللغة العربية أقل الرواتب وأن نزدريه وأن لا ينتسب إلى قسم اللغة العربية إلا من النطيحة والمتردية والموقوذة من ضاقت وسدت أمامه كل الأبواب ولم يستطع الإنتساب إلى كلية أخرى، وقلّ من ينتسب لكلية اللغة العربية وإلى الشريعة حباً بها أو تديّناً أو رغبة بها. واليوم انسحب على ضعفنا في اللغة العربية ضعفنا في الشريعة قد يكون أستاذ شريعة لا يفقه شيئاً، إنما يحفظ الأقوال دون أن يفهمها وأستاذ الشريعة مطلوب منه أن يكون فقيهاً ومتدبراً لكلام الله أن يفقه ويعي ما أراده الله سبحانه وتعالى وانسحب عليه أن يتخرج طلاباً من قسم الإعلام وكذلك رجال القانون وتجد بعض المحامين والقضاة يخطئون أخطاء فادحة في صفحة واحدة.
سؤال: يقال أن الله سبحانه وتعالى ما حرّم الخمر ولا الزنا ولا حرم أكل مال اليتيم لأنه لم يستخدم صيغة التحريم كما قال (حرمت عليكم) وإنما قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) المائدة) (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً (32) الإسراء) (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ (152) الأنعام) فما الدلالة؟
د. القناوي: الله سبحانه وتعالى حرّم هذه الأشياء والشريعة حرّمت لكن لم يستخدم كلمة حرام فهناك فرق. الإنسان الذي لا يفقه لسان العرب أنّى له أن يفقه كلام الله؟! الذي لا يعرف اللغة العربية يتجرأ على الله ويتجرأ كتاب الله ويقول كلاماً بهواه لا يفهمه لأنه لا يفهم هذا اللسان. قال (لا تزنوا) لو قال لا تزنوا أو حرم عليكم الزنا لحرّم فقط الوطء أو الجماع في غير حلّه أما وقد قال لا تقربوا الزنى فإنه حرم كل ذلك الذي يؤدي إلى الزنا، الزنى ومقدمات الزنى القبلة والضمة وكل هذه مقدمات تفضي إلى الزنا. ما الذي أودى بأبينا آدم عليه السلام إلى وصل إليه؟ قال له تعالى (وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ (35) البقرة) ما قال لا تأكلا. لو قال لا تأكل من هذه الشجرة لا يأكل منه لكن ممكن يقترب لكنه حرم عليه الاقتراب منها لأنه لو اقترب منها قد تحدثه مشاعره ونفسه بالأكل منها ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه. فإذا اقترب من الزنا يوشك أن يقع في الزنا. بينما مال اليتيم قال (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) ما قال لا تقربوا مال اليتيم البتة، هذا ليس نهي على الإطلاق لأن هذا اليتيم قبل أن يصبح راشداً محتاج لمن يدير ماله فقال (إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) فإذا كان لا بد من اقتراب مال اليتيم فينبغي أن يقربه بالتي هي أحسن وأن يتقي الله فيه وأن يحسن التصرف فيه وأن ينمي هذا المال حتى لا تأكله الزكاة قبل أن ينضج هذا اليتيم.
سؤال: (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) و(تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا) ما الدلالة البيانية لاستخدامها؟
د. القناوي: في الآية الأولى كان الحديث عن الصيام (وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) النبي صلى الله عليه وسلم وهو عاكف في المسجد ويقترب من أهله قد يحصل ما هو أبعد ويفسد صيامه فقال (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) البقرة) لأنه لو اقترب سيقع في المحظور. إذن النهي عن الاقتراب آكد من التحريم، لأنه إذا حام حول الحمى واقترب سينتهي في النهاية إلى المظور. أما لما كان الكلام عن الطلاق والخلع (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) البقرة) قال (فَلاَ تَعْتَدُوهَا) وضع للطلاق ضوابطاً فلا تعتدوا ولا تتجاوزوا حدود الله فيه.
أما بالنسبة للخمر (فَاجْتَنِبُوهُ) ما يقال أن الخمر ما حرّمت، ورد لفظ التحريم في سُنّة النبي صلى الله عليه وسلم وحرّم الخمر ونصّ على أنها محرّمة لكن ما ورد في القرآن أشدّ حتى مما ورد في السنة. لما قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) المائدة) ألا يكفي في التحريم أنه رجس؟! (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ (30) الحج) فهل المسلم يقترب من الأرجاس؟ لا. ثم عقب فقال (مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) الشيطان لا يعمل حلالاً، غذا كان هذا من عمل الشيطان والشيطان لا يأمر إلا بالفحشاء والسوء والمنكر والبغي والظلم والفجور والعدوان والخبائث معناه الشيطان يمثل الشر كله والسوء كله والمنكر كله، فإذا كان من عمل الشيطان فهل يكون عمله مباحاً؟ ثم قال بعد ذلك (فَاجْتَنِبُوهُ) أولاً هذا أمر والأصل في الأمر أن ينصرف إلى الوجوب ما لم توجد قرينة وهنا لا يوجد قرينة، هنا أمر بالاجتناب والأمر الآخر اجتنبوه أشد تحريماً من (حرمت عليكم) لأنه لو قال حرمت لحرم شربها فقط ولكن يمكن أن يجالس أهلها أو يبيعها أو يبيعها أو يصنعها أو يحملها لكن لما قال (فَاجْتَنِبُوهُ) يحرم شربه وبيعه ومجلسه وحمله وكل هؤلاء ملعونون ومحرّم عليهم ذلك ولو قال (حرمت) لحرم شربها ويمكن أن لا اشربها لكن يمكن المتاجرة فيها. قال تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا (219) البقرة) كان يمكن أن يكون من بين المنافع أن يبيعها ويتاجر فيها ويكسب منها فما قال حرمت وإنما قال اجتنبوها لا تقربها لأن حملها حرام بيعها حرام وشربها حرام ومجالسة أهلها حرام. إذن الخمر محرم لأنه رجس ومحرم لأنه من عمل الشيطان ومحرم لأنه أمرنا باجتنابه وكلمة اجتناب أشد تحريماً من كلمة التحريم لأنه تحرم علينا كل ما يقربنا منها. فلا ينصرف ذهن القارئ العادي أن يشترط أن يكون قبل المحرّم كلمة تحريم. والأصل أن ما أمرنا الله به نأتمر به وما نهانا عنه ننتهي. فما دام نهانا عن الخمرة وأمرنا أن نجتنبها فينبغي أن نجتنبها ونمتثل لأمر الله فمن شربها فهو لا يمتثل لأمر الله ولم يعلم أنها محرمة أو علم وهو ينتهك حدود الله ويتجاوز ثم هو رجس ولذلك جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "يأتي مدمن الخمر يوم القيامة كعابد الوثن" لأن الخمر أم الخبائث كما جاء في الأثر. فالإنسان السكران يغيب عقله فالشريعة جاءت لتحفظ علينا العقل فهذا الذي غاب عقله ماذا ينتظر منه؟! البعض قد يقول أنا أشرب قليلاً من الخمر فنقول ما أسكر كثيره فقليله حرام.
هل علة التحريم عليها المعول في التحريم أم نحن نقلع عنها لأن الله سبحانه وتعالى أمرنا بذلك؟! ما دام الله قد أمرنا باحتنابها لا بد أن نجتنبها ولو لم تخامر العقل ولم تذهب العقل هذه ليست بخمر لأنه لا توجد خمرة لا تذهب العقل وما أسكر كثيره فقليله حرام، يبدأ اليوم بشيء بسيط ثم يصبح من المدمنين والمنفلوطي كتب مقالاً تحت عنوان الكأس الأولى قال: هذا الذي يتناول الكأس الأولى من الخمر إذا شربها أحس أنه بحاجة إلى الثانية حتى أنه إذا تعطى الثانية أحس أنه في لهفة إلى ثالثة لأنها ستذهب بعقله فيطلب الزيادة دائماً. ولو سألت المدمنين عن الخمرة بعضهم يبدأون بالتجربة ليكتشف هذا العالم المجهول وقد يأخذ شيئاً قليلاً ليرى أثر هذه الخمرة ثم يتطور به الحال ليصبح من المدمنين فما الذي يضمن أنه إذا شربت كأساً لا تشرب ثانياً وثالثاً وأن لا تصبح من المدمنين؟! والنبي صلى الله عليه وسلم سدّ الباب وقال ما أسكر كثيره فقليله حرام، هذا نص صريح. تبدأ بداية بسيطة وكم من الناس بسبب هذه الخمرة بعضهم اعتدى على محارمهم؟ هو مخمور فاقد عقله! الذي غاب عقله لا يستغرب منه أي شيء. آخر اعتدى على بنات أخته وحملتا منه بهذه الخمرة غاب عن رشده يأتي وهو سكران ويفعل الأعاجيب وبعضهم قد يقتل. لعن الله شاربها وحاملها والمحمولة إليه وعاصرها وكل من يعمل فيها فهو ملعون فهي لعنة وهي أم الخبائث ولهذا قال تعالى (فَاجْتَنِبُوهُ) لا تقتربوا لأنها ستدفعه إلى موبقات فالاجتناب أشد تحريماً من كلمة حرمت عليكم، اجتنبها، لا تجالس أهلها لا تقترب منها لا تحملها لا تعصرها، فكلها حرام.
سؤال: في قوله تبارك وتعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) التوبة) إستخدم أولاً اللام (لِلْفُقَرَاء) ثم لم يستخدمها في باقي الآية فلِمَ عَدَل عن استخدام اللام؟
د. القناوي: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء) هذه الصدقات سيتملكها الفقراء فهذه لام الملكية، (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) نحن سنعطيهم هذا المال ونملّكهم إياه. (وَفِي الرِّقَابِ) أما في تحرير العبيد فنحن لن نعطي هذا المال لهذا العبد ولكن السيد هو الذي سيأخذ المال مقابل فك رقبة هذا المملوك فهو لن يملك هذا المال ولو قال (للرقاب) تعني أننا نعطي المال لهؤلاء المملوكين بينما استخدم حرف (في) المفيد للظرفية هؤلاء أحق لوضع الصدقات فيهم أحق من الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم هؤلاء أحق لوضع المال فيهم أن نضعه فيهم ونحررهم من الرق، فتحرير العبيد مقدّم، (لِلْفُقَرَاء) هذا بقدر حاجاتهم لأنهم محتاجون إلى ذلك لكنه في الرقاب قال (وَفِي الرِّقَابِ) في شأن الرقاب في حق الرقاب لا يملكون وإنما يعطى أسيادهم لمن اشترونهم. (في) هنا تفيد معنى الظرف فهي وعاء وهي مكان لاستقرار هذه الصدقات فيهم فالمال الذي يصرف في فك الرقاب يأخذه السادة البائعون وكذلك الغارمون. هذا الذي استدان والغارم عليه دين أنت لا تعطيه هذا المال له وإنما سيأخذه من استدان منه حتى لو قبضه هو فهو ليس له. وكذلك (وَفِي سَبِيلِ اللّهِ) أعظم أن هذا المال في سبيل الله ليس لشخص لينتفع به وإنما لأن الأمة كلها ستتنتفع به. (وَابْنِ السَّبِيلِ) في الغالب هذا الذي انقطع به السبيل لن يعطى مالاً ليتملّكه وإنما لينجز أموره ويجتاز هذه المرحلة يعطى مالاً يعطى أكلاً فهو مجرد سد حاجة آنيّة فقد يكون ابن السبيل هذا من الأغنياء ولسبب أو لآخر انقطعت به السبيل وما عنده مال ليس بالضرورة أن يكون ابن السبيل فقيراً ولذلك قال (في) يوضع في هذا الأمر معناها لأمر عابر وطارئ لا يتملك المال. في البداية (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) هم الذين نتألف قلوبهم لإدخالهم في الإسلام، هم غير مسلمين أو مسلمون حديثو عهد بالإسلام، إما يكون غير مسلم لكنه يتكلم كلاماً طيباً عن الإسلام يمكن أن نكسب قلبه وهو ليس معادياً ولا محارباً للإسلام والمسلمين فيعطى هذا تألفاً له لعلنا نكسب قلبه ونقربه للإسلام أكثر أو أنه قد دخل الإسلام وهو حديث عهد بالإسلام قد يجد من يغريه بالمال فيرتد على عقبيه نحتاج إلى أن نحتضنه ونتألف قلبه ونثبته على الإيمان والذي جاء النبي صلى الله عليه وسلم وكان حديث عهد بالإسلام وسأل فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم مرعى كاملاً فقال هذا كله لي؟ قال خذه، فذهب لقومه قال يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قلوب الناس واستخدم كل الوسائل الممكنة لإنقاذ الناس من النار لهدايتهم فهؤلاء كان يتألفهم ولذلك جعل اللام في (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) والباقي (وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) استخدم (في) لأنهم لا يتملكون المال.
سؤال: الفروق اللغوية في الكلمات المتقاربة صوتياً في نهي ربنا سبحانه وتعالى النساء في فترة الحيض (وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ) فما الفرق بينهما؟ وما هي اللمسة البيانية في كل منهما؟
د. القناوي: الآية (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) البقرة) طهرت المرأة إذا انقطع حيضها أو نفاسها يقال طهرت. وتطهرت اغتسلت معناها الطهارة بعد انتهاء الحيض، هناط طهر وهناك تطهر، الطهر هنا هو انقطاع الحيض أو النفاس والتطهر أن تغتسل فإذا طهرت المرأة من حيضها لا يحل لزوجها أن يأتيها وإن طهُرت إلا أن تتطهر وإذا كان بقيت حائضاً واغتسلت لا يجوز له أن يأتيها وأن يقربها. إذن يشترط الأمران: أن تطهر وينقطع حيضها وأن تتطهر أي تغتسل
سؤال: اللغة العربية دقيقة في استخدام المفردات ومواقعها فيقدم الأولى أحياناً ففي قوله تعالى (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ (110) آل عمران) ما دلالة تقديم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان بالله مع أنه من حيث المنطق الإيمان بالله مقدّم؟
د. القناوي: قال تعالى (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) هذه الأمة لم تنل درجة الخيرية إلا بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر. هي خيّرة لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. ولا نقول نحن خير أمة فقط كما قال بنو إسرائيل (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ (18) المائدة) (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً (80) البقرة) نحن خير أمة إذا أمرنا بالمعروف والنهي عن المنكر فإذا تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتركنا الإيمان بالله صرنا مثل أي أمة من الأمم الأخرى فلسنا خير أمة. نحن خير أمة لأننا نمتاز بذلك والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما اختصت به هذه الأمة الإسلامية فهي تتميز عن سائر الأمم والذين كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر في الأمم السابقة كانوا الأنبياء يفعلون ذلك وكان الأحبار والرهبان الذين تتلمذوا على هؤلاء الأنبياء لكن بالنسبة لأمة الإسلام كلها جميعها مطالبة بالأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر بعلمها وبقدر استطاعتها، من رأى منكراً فليغيره بيده (وهذا للسطان)، "فإن لم يستطه بلسانه" بالنسبة للسان في دقائق الأمور هذا خاص بالعلماء، لكن فيما هو معلوم من الدين بالضرورة يحق لأي مؤمن أن يأمر وينهى معناه أميّ لا يقرأ ولا يكتب لكن يعلم أن الخمرة حرام فإذا رأى مذنباً يتعاطاها نهاه عن ذلك فلا يقال له أنت لست من العلماء لا يحق لك أن تأمر وتنهى، فيما هو معلوم من الدين بالضرورة فهو للجميع العالم والجاهل. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس أشد أهمية من الإيمان بالله لأن الأمم السابقة كانت تؤمن بالله لكنها غير مكلفة شرعاً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. نحن نلتقي مع أهل الكتاب سواء اليهود والنصارى أننا نؤمن بالله صحيح أن بعضهم انحرف لكن الأصل أنهم يؤمنون بالله والأمم السابقة تؤمن بالله، نحن نلتقي معهم في قضايا أساسية منها الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر، ما من رسالة سماوية إلا وتؤمن باليوم الآخر سواء اليهود أو النصارى لكن بالنسبة للأمم السابقة لم تكن مكلفة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نحن الذي كُلِّفنا "من رأى منكم منكراً فليغيره" نحن ملكفون بذلك (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ (104) آل عمران) فقدّم ما تنماز به الأمة وتختص به وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أما بالنسبة للإيمان بالله فيشترك فيه بقية الأمم ولا نتكلم عن الذين انحرفوا وإنما الصل أنهم يؤمنونبالله ويؤمنون باليوم الآخر فهذا قاسم مشترك بين كل الرسالات.
سؤال: كلمة (جيد) وردت مرة واحدة في القرآن في الآية (فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ (5) المسد) ومعلوم أن الجيد هو العنق والقرآن استخدم العنق (إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً ( يس) و(وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ (29) الإسراء) فما دلالة استخدام الجيد؟ وما الفرق بين الجيد والعنق؟
د. القناوي: لفظ الجيد كما قال كثير من العلماء لا يطلق إلا على المرأة والعنق يطلق على عنق الرجل وعنق المرأة، والجيد خاص بعنق المرأة واللغة تخص بعض الكلمات. لا يقال في الغالب جيد الرجل وإنما يقال عنق الرجل وعنق المرأة وحتى الدابة يقال عنق الدابة (فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33) ص) فالجيد في الغالب يطلق على عنق المرأة. وفي الآية أطلق الجيد الذي تتحلى به النساء تتحلى بالزينة على الجيد فالمرأة تضع الحلي في جيدها تتزين به فيوم القيامة المرأة المسلمة تكون فرِحة مسرورة وهي تتحلى بالزينة بينما هذه لا تضع إلا حبلاً من مسد من ليف تضعه في رقبتها وكأن الآية فيها غمز أن هذا الجيد الذي كنت في الدنيا تزينيه بأحلى حلية وزينة هذا سيصبح فيه حبل من ليف في رقبتك يوم القيامة كما يوضع الحبل في عنق الدابة. ليس الجيد مختص بطول الرقبة أو قصرها، والعرب كانوا يفتخرون بطول المرأة ويتباهون به فيقولون "بعيدة مهوى القرط" بمعنى أنه لو وقع هذا القرط لا يصل إلى الأرض إلا بعد وقت طويل لطولها.
أ. د. عبد العزيز القناوي صافي الجيل، الأستاذ بشبكة جامعة عجمان
سؤال: هل دراسة النحو أمر صعب؟
د. القناوي: كل علم يحتاج إلى سهر وإلى تعب
ومن لم يذل النفس في طلب العلا قليلاً يعش دهراً طويلاً أخا ذُلِّ
كما قال ابن هشام الأنصاري، إذلال النفس وقهرها بأن يكلفها ما لا تريد فطبيعة النفس البشرية تريد أن تتفلت أمارة بالسوء تريد اللهو واللعب فأن يتعلم النحو أو غيره إنما العلم بالتعلم والنحو كغيره من العلوم له قوانينه، حتى اللعب له قوانينه، كل علم له قواعد. والهالة السوداء حول العربية هذه مفتلعة أريد بها إقصاء هذه الأمة عن لغتها لأن إقصاءها عن اللغة العربية يعني إقصاءها عن القرآن وعن أحكام الشريعة وهناك مخطط رهيب من أجل إبعاد هذه الأمة عن دينها والخطوة الأولى إبعادها عن اللغة العربية واللغة العربية من الدين تعلم العربية فرض وعبادة وهكذا نظر سلفنا إلى اللغة. اليوم أولادنا يتهربون ويتفلتون من اللغة لأعذار شتى، هذا يستصعبها وهذا يراها أنها غير صالحة للحياة وآخر لا يحتاجهل للوظيفة ومهما كان العذر النتيجة واحدة وهي أن نُقصي هذه اللغة عن واقع الحياة وبالتالي تغيّب ويغيّب القرآن والعقيدة والشريعة وكلام النبي صلى الله عليه وسلم. لو أردنا لأعددنا العدة لو أردنا وكنا حريصين على هذه اللغة التي هي لغة الدين ولغة القوم وهي جزء من هويتنا هوية هذه الأمة لو أردنا ذلك جادين ومخلصين لرأيت علماء ونوابغ لهذه اللغة، أما أن نعطي لأستاذ اللغة العربية أقل الرواتب وأن نزدريه وأن لا ينتسب إلى قسم اللغة العربية إلا من النطيحة والمتردية والموقوذة من ضاقت وسدت أمامه كل الأبواب ولم يستطع الإنتساب إلى كلية أخرى، وقلّ من ينتسب لكلية اللغة العربية وإلى الشريعة حباً بها أو تديّناً أو رغبة بها. واليوم انسحب على ضعفنا في اللغة العربية ضعفنا في الشريعة قد يكون أستاذ شريعة لا يفقه شيئاً، إنما يحفظ الأقوال دون أن يفهمها وأستاذ الشريعة مطلوب منه أن يكون فقيهاً ومتدبراً لكلام الله أن يفقه ويعي ما أراده الله سبحانه وتعالى وانسحب عليه أن يتخرج طلاباً من قسم الإعلام وكذلك رجال القانون وتجد بعض المحامين والقضاة يخطئون أخطاء فادحة في صفحة واحدة.
سؤال: يقال أن الله سبحانه وتعالى ما حرّم الخمر ولا الزنا ولا حرم أكل مال اليتيم لأنه لم يستخدم صيغة التحريم كما قال (حرمت عليكم) وإنما قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) المائدة) (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً (32) الإسراء) (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ (152) الأنعام) فما الدلالة؟
د. القناوي: الله سبحانه وتعالى حرّم هذه الأشياء والشريعة حرّمت لكن لم يستخدم كلمة حرام فهناك فرق. الإنسان الذي لا يفقه لسان العرب أنّى له أن يفقه كلام الله؟! الذي لا يعرف اللغة العربية يتجرأ على الله ويتجرأ كتاب الله ويقول كلاماً بهواه لا يفهمه لأنه لا يفهم هذا اللسان. قال (لا تزنوا) لو قال لا تزنوا أو حرم عليكم الزنا لحرّم فقط الوطء أو الجماع في غير حلّه أما وقد قال لا تقربوا الزنى فإنه حرم كل ذلك الذي يؤدي إلى الزنا، الزنى ومقدمات الزنى القبلة والضمة وكل هذه مقدمات تفضي إلى الزنا. ما الذي أودى بأبينا آدم عليه السلام إلى وصل إليه؟ قال له تعالى (وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ (35) البقرة) ما قال لا تأكلا. لو قال لا تأكل من هذه الشجرة لا يأكل منه لكن ممكن يقترب لكنه حرم عليه الاقتراب منها لأنه لو اقترب منها قد تحدثه مشاعره ونفسه بالأكل منها ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه. فإذا اقترب من الزنا يوشك أن يقع في الزنا. بينما مال اليتيم قال (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) ما قال لا تقربوا مال اليتيم البتة، هذا ليس نهي على الإطلاق لأن هذا اليتيم قبل أن يصبح راشداً محتاج لمن يدير ماله فقال (إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) فإذا كان لا بد من اقتراب مال اليتيم فينبغي أن يقربه بالتي هي أحسن وأن يتقي الله فيه وأن يحسن التصرف فيه وأن ينمي هذا المال حتى لا تأكله الزكاة قبل أن ينضج هذا اليتيم.
سؤال: (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) و(تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا) ما الدلالة البيانية لاستخدامها؟
د. القناوي: في الآية الأولى كان الحديث عن الصيام (وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) النبي صلى الله عليه وسلم وهو عاكف في المسجد ويقترب من أهله قد يحصل ما هو أبعد ويفسد صيامه فقال (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) البقرة) لأنه لو اقترب سيقع في المحظور. إذن النهي عن الاقتراب آكد من التحريم، لأنه إذا حام حول الحمى واقترب سينتهي في النهاية إلى المظور. أما لما كان الكلام عن الطلاق والخلع (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) البقرة) قال (فَلاَ تَعْتَدُوهَا) وضع للطلاق ضوابطاً فلا تعتدوا ولا تتجاوزوا حدود الله فيه.
أما بالنسبة للخمر (فَاجْتَنِبُوهُ) ما يقال أن الخمر ما حرّمت، ورد لفظ التحريم في سُنّة النبي صلى الله عليه وسلم وحرّم الخمر ونصّ على أنها محرّمة لكن ما ورد في القرآن أشدّ حتى مما ورد في السنة. لما قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) المائدة) ألا يكفي في التحريم أنه رجس؟! (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ (30) الحج) فهل المسلم يقترب من الأرجاس؟ لا. ثم عقب فقال (مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) الشيطان لا يعمل حلالاً، غذا كان هذا من عمل الشيطان والشيطان لا يأمر إلا بالفحشاء والسوء والمنكر والبغي والظلم والفجور والعدوان والخبائث معناه الشيطان يمثل الشر كله والسوء كله والمنكر كله، فإذا كان من عمل الشيطان فهل يكون عمله مباحاً؟ ثم قال بعد ذلك (فَاجْتَنِبُوهُ) أولاً هذا أمر والأصل في الأمر أن ينصرف إلى الوجوب ما لم توجد قرينة وهنا لا يوجد قرينة، هنا أمر بالاجتناب والأمر الآخر اجتنبوه أشد تحريماً من (حرمت عليكم) لأنه لو قال حرمت لحرم شربها فقط ولكن يمكن أن يجالس أهلها أو يبيعها أو يبيعها أو يصنعها أو يحملها لكن لما قال (فَاجْتَنِبُوهُ) يحرم شربه وبيعه ومجلسه وحمله وكل هؤلاء ملعونون ومحرّم عليهم ذلك ولو قال (حرمت) لحرم شربها ويمكن أن لا اشربها لكن يمكن المتاجرة فيها. قال تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا (219) البقرة) كان يمكن أن يكون من بين المنافع أن يبيعها ويتاجر فيها ويكسب منها فما قال حرمت وإنما قال اجتنبوها لا تقربها لأن حملها حرام بيعها حرام وشربها حرام ومجالسة أهلها حرام. إذن الخمر محرم لأنه رجس ومحرم لأنه من عمل الشيطان ومحرم لأنه أمرنا باجتنابه وكلمة اجتناب أشد تحريماً من كلمة التحريم لأنه تحرم علينا كل ما يقربنا منها. فلا ينصرف ذهن القارئ العادي أن يشترط أن يكون قبل المحرّم كلمة تحريم. والأصل أن ما أمرنا الله به نأتمر به وما نهانا عنه ننتهي. فما دام نهانا عن الخمرة وأمرنا أن نجتنبها فينبغي أن نجتنبها ونمتثل لأمر الله فمن شربها فهو لا يمتثل لأمر الله ولم يعلم أنها محرمة أو علم وهو ينتهك حدود الله ويتجاوز ثم هو رجس ولذلك جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "يأتي مدمن الخمر يوم القيامة كعابد الوثن" لأن الخمر أم الخبائث كما جاء في الأثر. فالإنسان السكران يغيب عقله فالشريعة جاءت لتحفظ علينا العقل فهذا الذي غاب عقله ماذا ينتظر منه؟! البعض قد يقول أنا أشرب قليلاً من الخمر فنقول ما أسكر كثيره فقليله حرام.
هل علة التحريم عليها المعول في التحريم أم نحن نقلع عنها لأن الله سبحانه وتعالى أمرنا بذلك؟! ما دام الله قد أمرنا باحتنابها لا بد أن نجتنبها ولو لم تخامر العقل ولم تذهب العقل هذه ليست بخمر لأنه لا توجد خمرة لا تذهب العقل وما أسكر كثيره فقليله حرام، يبدأ اليوم بشيء بسيط ثم يصبح من المدمنين والمنفلوطي كتب مقالاً تحت عنوان الكأس الأولى قال: هذا الذي يتناول الكأس الأولى من الخمر إذا شربها أحس أنه بحاجة إلى الثانية حتى أنه إذا تعطى الثانية أحس أنه في لهفة إلى ثالثة لأنها ستذهب بعقله فيطلب الزيادة دائماً. ولو سألت المدمنين عن الخمرة بعضهم يبدأون بالتجربة ليكتشف هذا العالم المجهول وقد يأخذ شيئاً قليلاً ليرى أثر هذه الخمرة ثم يتطور به الحال ليصبح من المدمنين فما الذي يضمن أنه إذا شربت كأساً لا تشرب ثانياً وثالثاً وأن لا تصبح من المدمنين؟! والنبي صلى الله عليه وسلم سدّ الباب وقال ما أسكر كثيره فقليله حرام، هذا نص صريح. تبدأ بداية بسيطة وكم من الناس بسبب هذه الخمرة بعضهم اعتدى على محارمهم؟ هو مخمور فاقد عقله! الذي غاب عقله لا يستغرب منه أي شيء. آخر اعتدى على بنات أخته وحملتا منه بهذه الخمرة غاب عن رشده يأتي وهو سكران ويفعل الأعاجيب وبعضهم قد يقتل. لعن الله شاربها وحاملها والمحمولة إليه وعاصرها وكل من يعمل فيها فهو ملعون فهي لعنة وهي أم الخبائث ولهذا قال تعالى (فَاجْتَنِبُوهُ) لا تقتربوا لأنها ستدفعه إلى موبقات فالاجتناب أشد تحريماً من كلمة حرمت عليكم، اجتنبها، لا تجالس أهلها لا تقترب منها لا تحملها لا تعصرها، فكلها حرام.
سؤال: في قوله تبارك وتعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) التوبة) إستخدم أولاً اللام (لِلْفُقَرَاء) ثم لم يستخدمها في باقي الآية فلِمَ عَدَل عن استخدام اللام؟
د. القناوي: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء) هذه الصدقات سيتملكها الفقراء فهذه لام الملكية، (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) نحن سنعطيهم هذا المال ونملّكهم إياه. (وَفِي الرِّقَابِ) أما في تحرير العبيد فنحن لن نعطي هذا المال لهذا العبد ولكن السيد هو الذي سيأخذ المال مقابل فك رقبة هذا المملوك فهو لن يملك هذا المال ولو قال (للرقاب) تعني أننا نعطي المال لهؤلاء المملوكين بينما استخدم حرف (في) المفيد للظرفية هؤلاء أحق لوضع الصدقات فيهم أحق من الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم هؤلاء أحق لوضع المال فيهم أن نضعه فيهم ونحررهم من الرق، فتحرير العبيد مقدّم، (لِلْفُقَرَاء) هذا بقدر حاجاتهم لأنهم محتاجون إلى ذلك لكنه في الرقاب قال (وَفِي الرِّقَابِ) في شأن الرقاب في حق الرقاب لا يملكون وإنما يعطى أسيادهم لمن اشترونهم. (في) هنا تفيد معنى الظرف فهي وعاء وهي مكان لاستقرار هذه الصدقات فيهم فالمال الذي يصرف في فك الرقاب يأخذه السادة البائعون وكذلك الغارمون. هذا الذي استدان والغارم عليه دين أنت لا تعطيه هذا المال له وإنما سيأخذه من استدان منه حتى لو قبضه هو فهو ليس له. وكذلك (وَفِي سَبِيلِ اللّهِ) أعظم أن هذا المال في سبيل الله ليس لشخص لينتفع به وإنما لأن الأمة كلها ستتنتفع به. (وَابْنِ السَّبِيلِ) في الغالب هذا الذي انقطع به السبيل لن يعطى مالاً ليتملّكه وإنما لينجز أموره ويجتاز هذه المرحلة يعطى مالاً يعطى أكلاً فهو مجرد سد حاجة آنيّة فقد يكون ابن السبيل هذا من الأغنياء ولسبب أو لآخر انقطعت به السبيل وما عنده مال ليس بالضرورة أن يكون ابن السبيل فقيراً ولذلك قال (في) يوضع في هذا الأمر معناها لأمر عابر وطارئ لا يتملك المال. في البداية (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) هم الذين نتألف قلوبهم لإدخالهم في الإسلام، هم غير مسلمين أو مسلمون حديثو عهد بالإسلام، إما يكون غير مسلم لكنه يتكلم كلاماً طيباً عن الإسلام يمكن أن نكسب قلبه وهو ليس معادياً ولا محارباً للإسلام والمسلمين فيعطى هذا تألفاً له لعلنا نكسب قلبه ونقربه للإسلام أكثر أو أنه قد دخل الإسلام وهو حديث عهد بالإسلام قد يجد من يغريه بالمال فيرتد على عقبيه نحتاج إلى أن نحتضنه ونتألف قلبه ونثبته على الإيمان والذي جاء النبي صلى الله عليه وسلم وكان حديث عهد بالإسلام وسأل فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم مرعى كاملاً فقال هذا كله لي؟ قال خذه، فذهب لقومه قال يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قلوب الناس واستخدم كل الوسائل الممكنة لإنقاذ الناس من النار لهدايتهم فهؤلاء كان يتألفهم ولذلك جعل اللام في (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) والباقي (وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) استخدم (في) لأنهم لا يتملكون المال.
سؤال: الفروق اللغوية في الكلمات المتقاربة صوتياً في نهي ربنا سبحانه وتعالى النساء في فترة الحيض (وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ) فما الفرق بينهما؟ وما هي اللمسة البيانية في كل منهما؟
د. القناوي: الآية (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) البقرة) طهرت المرأة إذا انقطع حيضها أو نفاسها يقال طهرت. وتطهرت اغتسلت معناها الطهارة بعد انتهاء الحيض، هناط طهر وهناك تطهر، الطهر هنا هو انقطاع الحيض أو النفاس والتطهر أن تغتسل فإذا طهرت المرأة من حيضها لا يحل لزوجها أن يأتيها وإن طهُرت إلا أن تتطهر وإذا كان بقيت حائضاً واغتسلت لا يجوز له أن يأتيها وأن يقربها. إذن يشترط الأمران: أن تطهر وينقطع حيضها وأن تتطهر أي تغتسل
سؤال: اللغة العربية دقيقة في استخدام المفردات ومواقعها فيقدم الأولى أحياناً ففي قوله تعالى (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ (110) آل عمران) ما دلالة تقديم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان بالله مع أنه من حيث المنطق الإيمان بالله مقدّم؟
د. القناوي: قال تعالى (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) هذه الأمة لم تنل درجة الخيرية إلا بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر. هي خيّرة لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. ولا نقول نحن خير أمة فقط كما قال بنو إسرائيل (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ (18) المائدة) (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً (80) البقرة) نحن خير أمة إذا أمرنا بالمعروف والنهي عن المنكر فإذا تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتركنا الإيمان بالله صرنا مثل أي أمة من الأمم الأخرى فلسنا خير أمة. نحن خير أمة لأننا نمتاز بذلك والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما اختصت به هذه الأمة الإسلامية فهي تتميز عن سائر الأمم والذين كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر في الأمم السابقة كانوا الأنبياء يفعلون ذلك وكان الأحبار والرهبان الذين تتلمذوا على هؤلاء الأنبياء لكن بالنسبة لأمة الإسلام كلها جميعها مطالبة بالأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر بعلمها وبقدر استطاعتها، من رأى منكراً فليغيره بيده (وهذا للسطان)، "فإن لم يستطه بلسانه" بالنسبة للسان في دقائق الأمور هذا خاص بالعلماء، لكن فيما هو معلوم من الدين بالضرورة يحق لأي مؤمن أن يأمر وينهى معناه أميّ لا يقرأ ولا يكتب لكن يعلم أن الخمرة حرام فإذا رأى مذنباً يتعاطاها نهاه عن ذلك فلا يقال له أنت لست من العلماء لا يحق لك أن تأمر وتنهى، فيما هو معلوم من الدين بالضرورة فهو للجميع العالم والجاهل. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس أشد أهمية من الإيمان بالله لأن الأمم السابقة كانت تؤمن بالله لكنها غير مكلفة شرعاً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. نحن نلتقي مع أهل الكتاب سواء اليهود والنصارى أننا نؤمن بالله صحيح أن بعضهم انحرف لكن الأصل أنهم يؤمنون بالله والأمم السابقة تؤمن بالله، نحن نلتقي معهم في قضايا أساسية منها الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر، ما من رسالة سماوية إلا وتؤمن باليوم الآخر سواء اليهود أو النصارى لكن بالنسبة للأمم السابقة لم تكن مكلفة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نحن الذي كُلِّفنا "من رأى منكم منكراً فليغيره" نحن ملكفون بذلك (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ (104) آل عمران) فقدّم ما تنماز به الأمة وتختص به وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أما بالنسبة للإيمان بالله فيشترك فيه بقية الأمم ولا نتكلم عن الذين انحرفوا وإنما الصل أنهم يؤمنونبالله ويؤمنون باليوم الآخر فهذا قاسم مشترك بين كل الرسالات.
سؤال: كلمة (جيد) وردت مرة واحدة في القرآن في الآية (فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ (5) المسد) ومعلوم أن الجيد هو العنق والقرآن استخدم العنق (إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً ( يس) و(وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ (29) الإسراء) فما دلالة استخدام الجيد؟ وما الفرق بين الجيد والعنق؟
د. القناوي: لفظ الجيد كما قال كثير من العلماء لا يطلق إلا على المرأة والعنق يطلق على عنق الرجل وعنق المرأة، والجيد خاص بعنق المرأة واللغة تخص بعض الكلمات. لا يقال في الغالب جيد الرجل وإنما يقال عنق الرجل وعنق المرأة وحتى الدابة يقال عنق الدابة (فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33) ص) فالجيد في الغالب يطلق على عنق المرأة. وفي الآية أطلق الجيد الذي تتحلى به النساء تتحلى بالزينة على الجيد فالمرأة تضع الحلي في جيدها تتزين به فيوم القيامة المرأة المسلمة تكون فرِحة مسرورة وهي تتحلى بالزينة بينما هذه لا تضع إلا حبلاً من مسد من ليف تضعه في رقبتها وكأن الآية فيها غمز أن هذا الجيد الذي كنت في الدنيا تزينيه بأحلى حلية وزينة هذا سيصبح فيه حبل من ليف في رقبتك يوم القيامة كما يوضع الحبل في عنق الدابة. ليس الجيد مختص بطول الرقبة أو قصرها، والعرب كانوا يفتخرون بطول المرأة ويتباهون به فيقولون "بعيدة مهوى القرط" بمعنى أنه لو وقع هذا القرط لا يصل إلى الأرض إلا بعد وقت طويل لطولها.